مدونـة رئيــس الملائكــة روفائيـــل



بسم الآب والابن والروح القدس اله واحد امين : مدونة رئيس الملائكة روفائيل ترحب بكم : افرحوا فى الرب كل حين واقول ايضا افرحوا
Home » » اعترافات القديس اغسطينوس ـــ الكتاب لأول

اعترافات القديس اغسطينوس ـــ الكتاب لأول


كتاب اعترافات القديس اغسطينوس .

قراءى مختارات من الكتاب الأول




الكتاب الأول

========


اعترافات القديس أوغسطينوس عن :

1 - عظمة الله وعدم إمكان إدراكه .

2 -  مراحمـه في الطفولة و الصبا .
3 -  تمـــــرد الإنســــــان عليـــه .
4 -  خطـــــــاياه مـن البطـــــــالة .
5 -  تفريطــــــــه في الدارســـــة .
6 -  عطايا الله له وحياته حتى سن الخامسة عشرة .
      

عظمة الله وعدم إمكان إدراكه
-1-
عظيـــم أنت يا رب  و أعظــــــم من أن تٌســـــــــــبح ،
عظيمة هي قوتك  أما حكمتك فإنها تفوق كل وصف .
* *     *
ربـــــــــــــي ، إنك جدير بأن يسبحك الإنسان ،
الإنسان الذي ليـــــس إلا ذرة من خليقتـــــك ،
الإنسان الذي يقاســــــــــي مــــــــــــــــــوته ،
ذلك المـــــوت الشاهد علي خطيتـه و إثمــه ،
و مــــع ذلـــك فهــــــل هو يســــــــــــــبحك ؟

* * *
ليتــــــــك توقظنــــــــا لنبتهج في تسبيحك .
لانك صنعتنـــــا لـــك و سيظل قلبنا مضطرباً
                       إلي أن يهجــــع فيـك !

* * *
هَب لي يا رب أن أعلم و أفهم أيهما يكون أولاً :
أأدعــــــــــــوك أم أســــبحك ؟
و أيضاً أأدعوك أولاً أم أعرفك ؟
إذ من ذا الذي يقدر أن يدعوك و هو لا يعرفك ،
لأن الذي لا يعــــرفك قد يدعو ســـــــــــواك ،
قاصــــــداً بهـــــــــذا أن        يدعــوك أنت !

* * *
و نحن الذين ندعـــــوك هل نعــــرفك ؟!
و لكن كيف يدعون الذي لا يؤمنون به ؟    
و كيـــــــف يؤمنــــــون بلا كـــــــــــارز ؟
إن الذين يطلبون الـرب يجــــــــــــدونه ،
و الذين يجـــــــدونه يســـــــــــبحونه .

* *     *
ســـأفتش عنــــــــك يا رب بالدعـــــاء لك ،
و سأصلي إليــــــــك مؤمنــــــــــــــــاً بـك ،
           لأنك أنت الذي كُرز باسمه لنا !...
سيدعوك إيمـــــاني الذي أعطيتنــي إياه ،
          الذي أوحيت به إليً بتجسد ابنك و بخدمة الكارز .
( المقصود بالكارز القديس أمبروز أسقف ميلانو الذي آمن القديس أوغسطينوس علي يديه ) .
-2-
كيف أدعو إلهي – إلهي و ربي –
إننـــي عنــدما أدعـــــوه إنمـــــا أدعــــوه لنفســي ؟
أي فراغ يوجد في داخلي حتى يقدر الهي – الله –
الذي خلــــق الســــماء و الأرض أن يدخــــــل فيً ؟

آه أيها الرب إلهي :
هــــل يوجد هنالك حقاً موضع فيً يمكن أن يسعك ؟
و هل من ثم الســــــماء و الأرض اللتان خلقتهمـــــا  ،
ثــــــم خلقتنــــــــي منهمــــــــــا هـل يســــــعانك ؟
و إذا كان لايمكـــن أن يوجد بدونك شئ مما أوجدته
فهل يوجــــد هنالك شــــئ يمكن أن يســــــــعك ؟

و أنا..الذي أوجدتني لماذا أطلب أن تدخل فيً ،
أنا الذي لــم أكـــــن موجـــــوداً بـــــــــــدونك ؟
أحــــــــــقاً أنك لســــــــت فيً ؟ لمــــــــاذا ؟
إنني لن أهبـــط إلى الجحيـــــــم لأنــــك فيً ،
و مع ذلك إذا هبطت إلي الجحيم فأنت هناك !                         
آه يا إلهي لا أقدر أن أموت ، بل لا أقدر أن أكون مطلقاً ،
ما لم تكـــــــن أنـــــت فيً ، أو أكـــــون أنا فيــــــــــك ،
لأن
     لــــــــــك و بـــــــــك و فيــــــــك كـل الأشـــــــياء .

* *     *
أين أدعــــــــــــوك يــــــــــــــــــــا رب ؟
أين أدعــــــــــــوك مادمت أنا فيـــــك ،
و من أين تقــــدر أن تدخــــل فــــــيً ،
لأنني من أين أقدر :
أن أتجاوز السماء و الأرض حيث يدخل إلهــــــــــــــــي ،
الـــــــــذي قــــــــــــال : " إنني أملأ السماء والأرض " .
-3-
هــــل تسعك إذن السماء و الأرض ما دامت أنت تملأهما ؟
أو هل أنت تملأهما و تفيض عنهمــا لأنهما لا يســــــعانك ؟

و إذا كانت الســماء و الأرض مملوءتان بك ،
فأيــــــــــن تفيض إذن بالبــــاقي منـــــك ؟
و هل تحتاج إلي شئ يسعك يا من تحوي كل الأشياء ،
و تمــــــلأ ما أنـــــت تمـــــــلأه باحتــــــوائك إيــــــــاه ؟…

إن الأواني التي أنت تملأها لا تدعمك ،
لأنها قد تٌكسر و أنت لا تفيض منهـــــا !
و أنت عندما تفيض علينا فإنك لا تكدرنا و لكنك ترفعنا !
أنت لا تبـــــددنا و لكنــــــك تجمعنــــا !
و لكنــــــك يا من تملأ كل الأشياء هل تمــلأها بذاتك كــــلك ؟
و إذا كانت كل الأشياء لا يمكـــــن أن تســـــــعك كــــــــــلك ،
فهــل هي تحوي جزءاً منك ؟ و أي جــــزء هذا الذي تحــويه ؟
و هل هي جميعـــــاً تحـــــــــــوي نفـــــــــــس الجـــــــــــزء ؟
 أم أن     لكل شــــــئ منهـــــا جـــــــزئه الخــــــــــــــاص !
و هل هذا الجزء هو الجزء الأكبر بزيادة أم الجزء الأصغر الأدنى ؟
 إذن       هل يوجـــد فيــــك جـــزء كبــــير و آخــــر صغــــــير ،
أم أنـــــك كـــــلك في كــــــــل مكـــــــــــــــــــــــــان ،
بينمـــــــا لا يمكن أن يوجد مكان يستطيع أن يحويك ! .

-4-
مـــــــــــاذا أنـــت يا إلهي ؟ مـــــــاذا أنــت إلا الرب الإله !
لأنه من هو السيد إلا الرب ؟ و من هو الإله سوي إلهنا ؟
عـال جــداً ! صـــالح جـــداً ! قـوي جــــداً ! مقـتـدر جــداً !


رؤوف جـــــــــــــــداً  و مـع ذلـك  عـــــــــــــــــــادل جـــــــــــداً ! ...
مستتر للغـــــــــــاية  و مـع ذلـك  ظــــــــــــــــــاهر جــــــــــــداً ! ...  
جميـــل جــــــــــــداً  و مـع ذلـك  قــــــــــــــــــــاس جـــــــــــداً ! ...
دائـــــــــــــــــــــــــم  و مـع ذلـك  لا يمكــــــــــــــن إدراكــــــــه ! ...
ثــــــــــــــــــــــــابت  و مـع ذلـك  يغــــــــــير كــــــل شــــــــئ ! ...

أبـــــــــاً حــــــــديث  و عتيــــق  عــــــــلي الإطـــــــــــــــــلاق ! ...
يجــــــدد الكـــــــــل  و يعطـــي  المتكبرين أياماً وهم لايعلمون !...
دائـــــــم يعمــــــــل  و مستريح  إلـــــــي الغـــــــــــــــــــــــاية ! ...
دائمــــــاً يحشــــــد  و مـع ذلـك  غـــــــير محتـــاج إلي شـــئ ! …
يدعـــــــــــــــــــــــم  و يســـــد  العــــــــــــــــوز و يســــــــــتر ! ...
يبــــــــــــــــــــــــدع  و يعــــــول  و ينمــــــــــــــــــــــــــــــــــي !...
يطــــــــــــــــــــــلب  و مـع ذلـك  يمــــــــــلك كل شــــــــــــئ ! .

* * *
أنت تحــــــــــــــــــــــــــب  بـــــــــــلا  شــــــــــــــــــــهوة ،
و غــــــــــــــــــــــــــــــــيور  بـــــــــــلا  قلـــــــــــــــــــــــق! ...
تنــــــــــــــــــــــــــــــــــدم  و مـع ذلـك  لا تأســـــــــــــف ! ...
أنــــــــت حانــــــــــــــــــق  و مـع ذلـك  أنت هــــــــــادئ ! ...
تغــــــــير كل أعمــــــــالك  و غرضــــك   ثابــــــــــــــــــت ! ...
تأخـــــــذ كل ما تجـــــــده  و مـع ذلـك  أنت لا تضيعه أبداً ! ...
لا تحتاج مطلقاً إلي شئ   و مـع ذلـك  تســــــــر بالأرباح ! ...
لســـــــت طمـــــــــــــاعاً  و مـع ذلـك  تطـــــالب بالأرباح ! ...

تأخذ كثيراً لكي تصير مديوناً  ، و من عنده شئ و ليس هو ملكــــك ؟
أنت تدفع ديوناً ليس لهل أصل و تعيد ديونا دون أن تنقص منها شيئاً !

ماذا أقـــــول عنك الآن يا إلهي يا حياتي و فرحي الطاهر !؟ ...
و ماذا يقول أي إنســــــــــــــان عنـــدما يتكلــــم عنــــك !؟ ...
ويل لمــــن لا يتحدث بحمدك عندما ينطق الأخرس و يصير كأفصح البلغاء ! .

-5-
ليتني أجد راحتي فيك !
بل يا ليتـــــك تدخل قلبي و تخدره لعلي أنسي أسقامي ،
و أعانقـــــــك يا صــــــــــــلاحي الوحيـــــــــــــــــــــــــــد !
ماذا أنت ليً ؟ بحنــــانك علمني أن أنطــــق برأفتــــــك !
ماذا أنـــا لك ؟ حتى إنك تطلـب محبتي و تعـــادلني بك !
و إن لم أحبـك تهــــــــــــــددني بويـــــلات جســــــــــام ؟
إذن كم هــي مصيبــة كـــــبري إن لـــــم أحبـــــــــــــك ؟

..ليتك أيهـا الــــــرب إلهـــــي تخبرني – لأجلا مراحمك –
مـــــــــاذا أنـــــــــــت لــــــــــــــــــيً ؟
ليتك تقول لنفســــي أنا خــــلاصك !...
هكـــــذا تكلــــــــــم لعلي أسمعك !! .
ها هــــو ذا قلبــــي أمامــك يــــا رب .
أفتـــــــــح أذنيـــــى و قــــل لنفسـي أنـــــا خـــــــــــــــــلاصك ،
و بعد أن تُســـمعني هذا الصــــــــوت دعني أسرع و أمسكك !!
لا تستر وجهك عني و إن ســـــــترته دعني أمـــــــــــــــــــوت ؛
و لكنــــــــــــــــــــي لا أريـد المـــوت! فدعني أري وجهـــــك !!

-6-
إن مسكن نفسي ضيق ! وسعه لعــلك تدخـــــــــــــل فــــــــــــيَ ؟
هــــــــــــــــو خـــــــــــرب ، هيئه لأن ما بداخله لابد أن يغيظ عينيك !
إنني أعترف و أعرف كل ذلك :
و لكن من ذاك الـــذي ســــــــــــــــيطهرني ؟
و إلي من يجب عليً أن أصرخ نحوه إلا إليك ؟

يـــــــــــا رب طهـرني من خطـاياي الخفية !
أشفق علي خادمك من ســـلطان العدو !
بهــــــذا أؤمـــــــــن و لذلك أتكـــــــــــلم !

أنت تعلم يا ربي :
أنني أتكلـم ضد نفســـي عن الخطايا التي صنعتها ضدك ،
لأنـــــــك يا الهـــــي قـــــد غفــــــــرت إثـــــــم قلبــــــي !
لا دخل في المحاكمة معك لأنــك أنت هــــــــو الحــــــق !
لا دخل في المحاكمة معك لأنني أخاف أن أخدع نفسي ،
فيفضحني شري أمامـــــك يا من تراقـــب الآثــــــــــــــام !
و إن راقبت الآثــام آه يا رب من يقــدر أن يحتمــــل ذلك ؟!
 
-7-
دور الرضاعة


احتملني لأخاطب رحمتك أنا الرماد و التراب !
احتملني لأتكلم ما دمت أخـــاطب رحمتــك ،
و لا أخــــــــاطب إنســاناً مـــــزدري بــــــــه !
إنك قد تهزأ بي و لكنــك تعـــــود فترحمني !


ماذا يجــــب عـــليً أن أقــــــــول لك أيهـا الـرب الهي ؟
إنني لا اعلم من أين أتيت إلي هــذه الحيــاة المائتـــة !
كما لا اعلم هل ادعوها الحياة المائتة أم الموت الحـي ؟
يا ليــــــــــــــــــــــــــت تعزيات رحمتك تدركنـي سريعاً !!

* * *
لست أذكر ، و لكني سمعت من والديً اللذين صورتني من جسديهما في وقت من الأوقات ! لقد سمعت أنك أعطيتني لبن المرأة غذاء أنعم به ، أن أمي و مربياتي لم يكنزن أثدائهن باللبن لأجلي و لكنك أنت - تبعا لشريعتك التي قسمت بها ثرواتك في الينابيع الخفية لكل الأشياء - قد وهبت ليً طعام الطفولة بواسطتهن كما وهبتني أن لا اشتهي أكثر مما أعطيته لهن !

  لقد كانت مربياتي بعاطفة علوية تلقينها من السماء يعطينني عن طيب خاطر ما فاض عليهن مما أعطيته لهن ، و فائدتي منهن كانت حسنة لهن و إن لم تكن في الواقع منهن بل بواسطتهن ! لأن كل الأشياء الحسنة هي منك يا الله و منك يا الهي كل عافيتي ، عندما تعلمت هذا أنت أعلنت نفسك لي بواسطة عطاياك هذه المستترة فيً و الظاهرة .

-8-
بعد ذلك تعلمت فقط أن أرضع و أسكن إلي ما يسرني ! و أن أبكي و أصرخ إلي ما يكدر جسدي ! - لا شئ أكثر من هذا - حتى إذا مضي زمن يسير بدأت ابتسم في النوم أولا ثم اليقظة ! هكذا أخبروني عن نفسي و لقد صدقتهم لأننا نري أطفالاً آخرين يفعلون مثل ما فعلت و إن كنت لا أتذكر ذلك عن نفسي وهكذا بدأت تدريجيا أن أدرك أين كنت !

في تلك الأثناء كانت تجيش في نفسي رغبات طالما كنت أتوق أن أعبر عنها لاؤلئك الذين يقدرون أن يرضوا رغباتي و لكني لم أستطع إلي ذلك سبيلاً لأن الرغبات و إن كانت ظاهرة للجميع إلا أنها كانت داخل نفسي فلم يستطيعوا أن يفهمــوا كنههــا لأنني لم أكن قادرا علي أن أفصح عنها !
لقد كانت هذه الرغبات قوية في نفسي فلما لم أستطع الحصول عليها من الناس بدأت أسخر منهم بتحريك الأطراف و الصراخ و عمل تلك الإشارات القليلة المتشابهة التي لم أكن أستطيع أن اعمل غيرها للحصول علي ما أريد .

و عندما كان من هم أكبر مني سناً يتأخرون عن إجابة رغباتي سواء أكانت رغباتي هذه ضارة أو غير مفهومة لهم كنت أغضب علي من اعتادوا خدمتي لأنهم لم يطيعــــونني كما كنت أغضب أيضاً علي من لم يعتاودا خدمتي وعلي الذين لا فضل لهم عليً لأنهم لم يخدموني وكنت آخذ ثأري منهم جميعا بالدموع .
 
و عندما كبرت علمت أن الأطفال - و أنا أيضاً لما كنت طفلاً - في حالة عدم وعي
و لا يدركون هذه الأمور فعرفت عن ذلك أكثر مما تعلمته من مرضعاتي .
-9-
ها أنا أعيــش و إن كانت طفولتي قد ماتت منـــذ زمن طـــويل !
أما أنت يا رب  فدائـــم إلي الأبـــد و فيــــك لا يمـــــوت أحــــد !
لأنه قبـــل أن توجد الكائنات و قبل كل أن يدعي (قبلا) أنت هو ؟
أنت هو الله و رب كل ما أبدعته ..
فيك تـــدوم ثابتة إلي الأبد الأسباب الأولية لكل الأشـياء الفانية !
فيك تـــدوم الأصول غير متغـــــيرة لكــــل الأشـــياء المتغــــيرة !!
فيك تحيــــا البواعث الأولية لكل الأشياء غير المعقولة والزمنية !!

* * *
قل لي يـــــا رب ما هو ملتمســــك ؟ …
قل لي بكل أسف عن الذي يحزنك ! ...
قل لي هل ســـبق طفـــولتي دور آخــر لي مات قبلهـــا ؟ ! …
و هـــل كان ذلك الدور هو الدور الذي مكثته في بطن أمي ؟ ...
لقد سمعت قبلاً عن هذا و إن كنت شاهدت بنفسي نساء حبالي !

ماذا قبل تلك الحياة يا إله بهجتــي ؟
ماذا كنــــت أنا وأي جســـد كنــت ؟
لانه لم يخــبرني أحــــد عن هــــذا !
لا أب و لا أم و لا اختبار آخرين حتى و لا ذاكرتي ! …
أتســـخر لحــــيرتي هذه و تأمــــرني أن أسبحك ؟
إننـــــي أعــــــــــترف لــــــــــــــــــك بعجــــــزي !

-10-
أعترف لك يا رب السماء و الأرض و أسبحك  ،
لأنك سبب وجودي و أصل طفولتي التي لا أعرف عنها شيئاً !
إنك قد رسمت للإنسان أنه ينبغي عليه أن يعتقد بأن :
الكثير ممــا يجـــري عليـــه يجـــري عــــلي الآخــرين  ،
و أن يعتقد كثــيراًَ في مـــدي قـــوة الأنثى الضعيفـــة!!

لقد كــنت موجــــوداً و عائشـاً عند نهـــــاية طفـــــولتي ،
و كنت قادراً علي أن أعمل إشارات أكشف بها للآخرين عن احساساتي .
فمن أين يمكن أن يكون وجود كهذا الوجود ، إلا منك أنت يا رب ؟
لأنه هل يستطيع أحد أن يخلق نفسه ؟ ...

و هل يمكن أن يتفــــرع في عالم غــــــير عالمنــا هذا  ،
أي وريد يكون منه روح و حياة لنا ســــوي منـــــــــــك ،
أيهـــا الـــــــــرب الذي فيــــــــك الروح و الحيــاة معـاً ؟

..أنت نفسك الــــروح و الحيـــــــــاة بأســـمى درجاتهــــــا !!
..أنت عـــــال جــــــداً و غير متغير !.. فيك لا ينتهي الزمان  ،
و إن كان ينتهي فيك اليوم  ، لأن كل الأشياء أيضــاً فيــــــك ،
و ليس لها طريق تزول فيه إلا بـأمرك !!

أنت هو الله و سنوك لا تفني لأن سنيك هي اليوم !

كم عاماً لنا و لأجــــــدادنا ذابـــت في يومـــــــك  ،
و منهـــا أخذ وجود كهذا الوجود قياسه و شكله  ،
كمـــا أن أعوامــــــاً أخـــــري ســــوف تــــــذوب  ،
و تأخــذ شــــكل قالب وجـــــــودها .
و لكنـك أنت وحدك مازلت كما أنت :
                                      خالق الأمور المســـــــتقبلة ،
                                      و مـــــا وراء المســـــــتقبلة ،
                                      و كل أمـــور أمس و ما قبله .


ماذا أنـــــت لـــــــــــــي ؟  لا أحـــــد يـــدرك هــــــــــــذا .
دع مـــــــــن لا يدركــــــك يتعجــــب و يقول ماذا أنـــــت ؟
دعه يفــــرح و يســــــــــر ،لأن أحداً لم يعرفه بوجـــــودك ،
و هذا خير له من أن يفرح بكونه قد تعلم أنك غير موجود !

-11-
اســـتمع يا الله استمع و آسفاه لمعصيتي ( هكذا أقول لك )
و أنت ترحمني لأنك خلقتني و لكنك لم تخلق الإثم الذي فيً .

من ذا الذي يذكرني بخطايا طفولتي ؟
لأنه لا يوجد أمام عينيك إنسان طاهر ،
حتى و لو كان طفلاً رضيعاً لم تتجاوز حياته يوماً واحداً علي الأرض !

من ذا الذي يذكرني بخطايا طفولتي ؟
فما هي إذن هـــــذه الخطـــــــــــــايا ؟
ما لا أتذكره عن نفســـي و أنا طفـــل ،
أتصوره في غــــيري من الأطفــــــــال ،
فمــــــــاذا كــــــــانت خطيتــــي إذن ؟
أكانت خطيتي إنني كنت أرتمي علي ثدي أمي صارخاً باكياً ؟
إنني لو فعلت ذلك اليوم لأجل الطعام اللازم لحياتي لاستوجبت سخرية الناس ولومهم فما عملته وقت أن كنت طفلاً كان يستوجب اللوم و لكن قد جرت العادة علي أن أكون محصنــاً عن اللوم لأنني لم أكن أفهم حتى إذا ما كبرت نبذت ما كنت أعمله من قبل لأنه في سن النمو لا يوجد أحد مهما أُكره يتعمد أن يرفض ما هو صالح !!

أن الطفل يصرخ إذا شعر بما يؤلمه فهل هذا من الصلاح و لو إلى حين ؟
هل كان من الصلاح أن يصرخ الطفل بقساوة لإغاظة الناس حتى يضجرون و بالأخص إذا كان هؤلاء الناس هم مربيه الخصوصيين لأنهم لا يريحونه بسبب عدم معرفتهم الأسباب المباشرة لصراخه حتى يزيلوها ؟

  أن للطفل طباع كثيرة فاضلة و لكنه لا يستطيع استخدامها لفائدته ليكون مسروراً بل هو يستعمل كل ما من شأنه أن يخيف الناس و يؤذيهم عندما لا تطاع رغباته التي لو حققوها له لأصابته بضرر بليغ .

 إذن عجز أعضاء الطفل لا عجز إرادته هو سبب براءته !!!
لقد رأيت بنفسي طفلاً حسوداً لا يقدر أن يتكلم و مع ذلك فإنه عندما نظر إلى أخيه في الرضاعة اصفر لونه و بانت نظرة الحقد في عينيه !! من لا يعرف هذا ؟
إن الأمهات و المرضعات هن خير من يحدثنك عن الوسائل التي يستعملنها لعلاج أمثال هذه الحالات بطرق لا أعلمها !!

  أيمكن إذن أن يكون هذا الطفل الحسود بريئاً عندما يرفض أن يشاركه أخوه في ينبوع اللبن المتدفق بغزارة رغم شدة حاجته هو أيضاً إليه لأن عليه قوام حياته .

    إننا نتجاوز عن هذا العمل من الطفل لا لأنه ليس شراً ! و لا لأنه شراً طفيفاً !
و لكن لأن هذا الشر سوف يزول من نفس الطفل عندما يكبر !
و إننا و إن كنا قد سمحنا له في دور الطفولة فلن نسمح له به بتاتاً عندما يكبر
و يكتمل إدراكه .
-12-
أنت أيهــا الــــرب إلهــي الذي أعطيت لطفولتي هــذه الحيـاة كما نراهــــا .
أنت الذي زودت جسدي بهذه الاحساسات شاداً أعضائه مزينــاً أحجامهــا !
كما أنـك لأجل سلامتها و حسنها زو دتها بكل ما يلزمها للحركات الحيوية !!

لقد أمرتني أن أســــــبحك علي هــــــــذه النعــم !!
             و أرنم لاسمك أنت أيها المتعالي جداً !!
أنت وحـدك الإلــــه القــــادر عـــلي كل شــــــــئ !!...
أنت ترفـض التســــــــــــبيح لغـــــــــــــــــــــــــــيرك  ،
لأنــــــــــك أنـــــت وحــــدك القــــادر علي عمـــــــل ،
مـــــــــا لا يقـــدر أن يعمــــــــــــــله الغـــــــــــــــــير ..

يا مـــن وحدا نيتـــــك قالـــب كل الأشـــياء!  
أنت الذي بصلاح خلقت كل الأشياء حسنة ،
و نظـــــمت كل شـــــــئ بالنـــــــــــاموس !

* * *
أما ذلك الدور من حياتي الذي لا أتذكر عنه شيئاً و لم أعرف عنه إلا ما عرفني إياه الآخرون و لم أخمن ما خمنته عنه - و إن كان التخمين حقيقة - إلا من أطفال آخرين ، هذا الدور لا أحسبه ضمن حياتي التي أحياها في هذا العالم لأنه لا يوجد أقل من الزمن الذي قضيته في بطن أمي و هو مخفي في ظلال النسيان ... و لكني إذا كنت بالإثم صورت و بالخطيئة قد حبلت بي أمي فإني أتضرع إليك يا إلهي أن تعرفني أنا خادمك المزكي أين ،
و متي كنت قبل الحبل فإنني و إن كنت اجتزت هذه الحقبة فإنه يجب عليَ أن أعمل بما لا أقدر أن أتذكر له رسماً ؟.
-13-
دور الصبا
 بعد أن اجتزت دور الطفولة أتيت إلي دور الصبا أو بالحري أتي إليً دور الصبا
مكتسحاً في طريقه دور الطفولة !!
و دور الطفولة هذا لم يرتحل لأنه إلي أين يذهب و مع ذلك فإنه في الواقع غير موجود !!ً

لقد صرت الآن طفلاً أتكلم و لم أعد بعد رضيعاً أخرساً !!
إنني أتذكر ذلك الدور كما أتذكر كيف كنت في ذلك الحين ألاحظ كيف أتعلم الكلام و لم يكن ذلك لأن من هم أكبر مني سناً علموني الألفاظ بطريقة نظامية كما تعلمت بقية العلوم فيما بعد بقليل ولكني تعلمت لأني رغبت في تعلم الكلام ، و ذلك لأنني كنت حتى الآن أعبر عن أفكاري حتى أحقق رغباتي بواسطة تلك الألفاظ المتقطعة القليلة التي أنادى بها ، و تلك الحركات المتنوعة التي تتحركها أطرافي غير أن تلك الألفاظ
و الحركات كانت قاصرة عن التعبير عن ما أردته أو من أردته !!

 فبدأت بتلك القريحة التي وهبتها ليً يا إلهي أختبر كل صوت ســـمعته فعندما كانــــــوا يذكرون أي شئ أثناء كلامهم كنت التفت و أنظر المقصود بهذا الشيء ، و كنت أفطن إلي ما يعنونه بالاسم الذي نادوا به إذ كان ظاهراً من حركات أجسادهم أن قصدهم كان هذا الشيء و لم يقصدوا غيره .

إن اللغة الطبيعية لكل أمة تفسر بسحنة الوجه و لمحات العين و إشارات الأطراف
و نغمات الصوت الني توضح أميال العقل الباطن حسبما يطلب أو يملك أو يتجــــــنب !!
و هكذا كنت بمداومة الاستماع إلي الألفاظ التي تخطر علي بال الناس عندما يتذكرون جملاً مختلفة التقط تدريجياً ما يكرروه ، و بتقليدي لهذه الألفاظ استطعت أن أنطق بما أريد و هكذا استطعت أن أبادل من حولي الأصوات المألوفة لتحقيق رغباتنا !!

حتى إذا نمت ذاكرتي اندفعت بأكثر فطنة لأتعلم كل الألفاظ التي تستعمل في المعاملات اللازمة للحياة البشرية مستعيناً في هذا بواسطة الوالدين و من هم أكبر مني سناً .

-14-
آه يا الله إلهي كم من سخريات و شقاوات ارتكبتها عندما فُرض عليً و أنا صبي أن أطيع معلمي حتى أنجح في هذه الحياة و أتفوق في معرفة اللغة التي تؤدي إلي مدح البشر و تجلب للإنسان الثراء الخادع .

ذهبت إلي المدرسة لأتزود بالعلوم دون أن أدري أنا المسكين التعيس أي فائدة ترجي لي منها و كنت إذا تهاونت فيها ضربوني!! هكذا جرت عدالة أجدادنا .

لقد عبر الكثيرون نفس هذا الطريق و لكنهم لم يضعوا أمامنا إلا سبلاً متعبة ضاعفوا بها المشقة و الحزن علي أبناء آدم  و لكنهم كانوا مسرورين لأن يجعلونا نجتاز كل هذا .

في ذلك الوقت وجدت أن البشر يدعونك فتعلمت منهم أن أفكر فيك ، و أتطلع إليك كما أتطلع إلي منقذ عظيم .
 و بالرغم من أنك كنت مخفياً عن حواسي فإنني أخذت أتضرع إليك و أنا صبي - يا عوني و ملجأي - طالباً منك بغاية الاهتمام رغم صغر سني أن تستجيب لي و تساعدني فلا تجعلهم يضربونني في المدرسة و كنت لا تستجيب لي - حتى لا تسلمني إلي حماقتي ، لقد كنت أعتبر جلداتي و ضربي أعظم المصائب و أشدها إيلاماً لنفسي و مع ذلك فإن من هم أكبر مني سناً حتى و الداي اللذان ما كانا يضمران لي سوءاً كانوا يسخرون من جلداتي و ضربي .

-15-
هل توجد يا رب أي نفس شريفة للغاية و متعلقة بك بشوق قوي جداً ترتكب حماقة ما ؟؟...
هل يوجد أي إنسان أمد بروح شريفة جداً من إيمانه بورع بك يسخر بقساوة من الآلام و المكائد و العذابات التي يعانيها البشر في كل مكان بخوف شديد و يدعونك لتخلصهم منها كما سخر و الونا بالعذابات التي قاسيناها في دور الصبا من معلمينا و التي كنا لا نخفيها عنهم بل كنا نحدثهم عنها كما كنا نصلي إليك كثيراً لتخلصنا منها ؟؟

لقد أخطأنا في تقصيرنا في الكتابة و القراءة و الدراسة ، و مع ذلك كانت هذه الخطيئة أقل من خطيئتنا في كوننا لم نطلب منك ذاكرة أو فهماً لتعطينا إياهما بم كفاية كإرادتك مع ما في ذلك من خسارة لنل إذ كان سرورنا الوحيد و قتذاك في اللعب و إن كنا نعاقب من أولئك الذين هم أنفسهم يلعبون !! .

هل يوجد إنسان سليم البصيرة يستصوب أن أضرب صبي لأني ألعب بالكرة ومع ذلك فأنه يستصوب لعبي عندما أصير رجلا وتكثر دروسي فأهملها والعب بعدم لياقة ..
    لقد كان معلمي يغتاظ من رفيقه و يحسده إذا غلبه في مناقشة بسيطة ، و مع ذلك فإنني إذا تعديت علي من هزمني في لعب الكرة فإنه لم يكن يتردد في ضربي .

-16-
و حتى في هذا أخطأت أمامك أيها الرب الإله يا خالق و مدبر كل شئ قي الكون ! أخطأت أمامك أيها الرب لتجاوزي أوامر أساتذتي و والدي لأن ما أرادوا أن أتعلمه لم يكن إلا لفائدتي فضلا عن أن الباعث علي مخالفتي لهم لم يكن اختياري لما هو أفضل بل هو حبي للهو و اللعب !!

لقد أحببت أن أتيه علي إخواني مزهواً بالنصر الذي كنت أحرزه في مشاجراتي كمــا أحببت أن أمتع أذني بالقصص الكاذبة فكانتا بذلك تزدادان شوقاً إلي سماع أمثالها  و عندما كنت أبصر من هم أكبر مني سناً يلهون كانت تلمع عيناي ببريق الرغبة الملحة في استقصاء ما يعملون و مع أن أولئك اللاعبين كانوا يحبون أن يستمتع أبناؤهم بلعبهم فإنهم ما كانوا يتأخرون عن ضربهم إذا وجدوا أن اللعب يعيقهم عن دروسهم حتى يجعلوهم يدركون إذا ما سبوا أن الفضل كل الفضل فيما وصلوا إليه هو لهم…

ليتــــــك تتطلع يا رب برأفتـــــك ، إلــي هـــذه الأمــــــــــــور ،
و تخلصنا نحن الذين ندعوك الآن ، كمــا تخلص من لم يدعوك ،
حــــــتى الآن عندما يدعونك لتخلـصهــــــــــم .
-17-
لقد قرأت عندما كنت صبياً عن الحياة الأبدية التي وعد بها المؤمنون ،
و نالوهـــا بتذلل الرب إلهنـا الذي أذعن مختاراً بشـــرور كبريائنــــــــــا .

  أما أنا فقد ختم علي بعلامة صليبك و ملحت بملحك ،
" طقس في الكنيسة الغربية يسبق المعمودية و يشير إلى الطهارة و النقاوة القلبية و كنيستنا القبطية ترفض هذا الطقس ، وربما تكون هذه العبارة دخيلة علي الكتاب "

   عندما كنت في بطن أمي و إن كنت لم أعتمد إلا بعد أن ولدت و صرت رجلاً و الذي أتذكره في هذا الصدد أنني أصبت بمرض فجائي في المعدة عندما كنت صبياً و قد بلغ من شدة المرض إنني منت أشبه المشرفين علي الموت !

  أما أنــت يا إلهي و حــــارسي فقد رأيـــــت بــأي إيمـان ،
توجهت أنا إلى أمي طلبــاً بشـوق من اهتمامهــــا الصــالح ،
و من كنيستك أمنا جميعاً أن تعمدني بمعمودية مسيحك !!

إلهي و ربي ... كم سبب هذا الطلب اضطراباً عظيماً لأمي بالجسد !
أجل لقد تألم قلبها الرقيق كثيراً لأنها كانت تشك في أصل خــلاصي ،
و ما كانت تريدني أن أتعمد إلا بعد أن أثبت في إيمانك بقلب طاهر !!

لقد كانت أمي متلهفة لأن أتقـــدس و أتطهــــر بأســرارك المحييـــة ،
و كانـــت تصــــلي لك أيها الرب يسوع المسيح يا غافر كل الخطايا !!

و كانت متلهفة إلي هذا و لكنها خشيت أن أتدنس ثانية عندما أشفي من مرضي فيكون ذنبي أعظم و خطيتي أكبر فلهذا السبب أجلت معموديتي ، لقد كنت مؤمناً في ذلك الوقت
و كذلك كانت أمي و جميع أهل البيت ما عدا أبي فإنه لم يكن مؤمناً ،
و مع ذلك فإنه لم يستطع أن يتغلب علي روح التقوى ،
التـــــــي غرســــــتها أمـــــــي فــــــــي قلبــــــــــي ،
رغم إني لم أكن بعد قد أمنت بك إيمــاناً رســـــــمياً !

لقد اختــــارتك أمي يا إلهي أباً لي أفضــــل من أبـــي ،
و قد ساعدتها علي أن تسود علي أبي في هذا الأمر ،
بالرغـــــم مـــن أنهـــــا كانت تعيــــــش مطيعــــة لـــه ،
و اعتبرت طاعتها له طاعة لك لأنك أنت الذي أمرتها بطاعته !!

أود أن أتعلم بشوق عظيم متضرعاً إليك يا إلهي أن تعرفني
السبب الذي من أجله أجلت معموديتي في ذلك الوقـــت ؟

أكــــان لفائدتي أن يظل العنــــان مرخيـــــاً حتى أخطـــــئ ؟
أم لأن العنـــــان كان مشــــدوداً فقـــد أجلت معمــــوديتي ؟…
و إذا لم يكــــن العنــــــــــــــــــان مشــــــــــــــــــــــــــــدوداً ،
فلمـــاذا لازلت أذكر ذلك الصوت الذي كان يدوي في كل الأنحاء في أذني ،
(دعه وحده دعه يفعل ما يريد لأنه لم يتعمد بعد).

أفكان يجوز لهم أن يدعوني أن أفعل ما أريد لأنني لم أبرأ من مرضي الروحي مع أنني لو مرضت مرضاً جسدياً فإنه لا يوجد من يقول ( دع جرحه يتسع لأنه لم يبرأ بعد )  لأن الأفضل هو أن أشفي حالاً ..

  بعد ذلك و بمعونة أصدقائي و اجتهادي شفيت نفسي و حفظت سالمة في حراستك التي حرستها بها و هكذا حفظت في حالة أفضل إلي أن هبت علي بعد صباي عواصف التجارب الكثيرة و العظيمة التي زلزلت نفسي و هكذا تحققت نبوءة أمي عندما رفضت أن تعمدني خشية أن أعود إلي النجاسة بعد تطهيري .
 
-18-
و مع ذلك ففي دور الصبا ( و كان خوفي فيه من العقاب أخف من دور الشباب )
لم أرغب في أن أستذكر دروسي و كرهت أن أجبر علي ذلك و مع ذلك فإنهم كانوا يجبرونني و هكذا كنت أستذكر و كان هذا لخيري و إن كان لا فضل لي فيه إلا أنني لو لم لأجبر علي عمله لما عملته و لا فضل لإنسان فيما يعمله مرغماً حتى و لو كان ما يفعله خيراً ..
    
و مع ذلك فإن الذين أجبروني علي عمـــل ما هــــو لخـــيري
لم يعملوا خيراً فكل ما أصابني من خير قد نلته منك يا إلهي .
ذلك لأن الذين أجبروني علي أن أتعـــلم لم يقصـــــدوا إلا أن
استخدم علمي في الحصول علي ثروة فانية أو أنال مجداً مخزياً .

أما أنت يا من حتى شعور رؤوسنا محصاة لديك ،
فقد سخرت لفائدتي كل خطأ أجبروني علي أن أتعلمه و أنا الذي لم أرد أن أتعلم قد استخدمت لقصاصي عقاباً ملائماً معي كصبي صغير أوغل في الإثم إلي حد كبير ،

و هكذا صنعت بي خيراً ،
مستخدماً أولئك الذين لم يعملوا معي أي خير كما عاقبتني بعـــدل عن خطتي ،
لأنك هكذا وضعت قصاصاً خاصاً لكل من انحرفت عواطفه أو مال إلي طريق الشر .

* * *
-19-
  و لكن لماذا كنت و أنا صبي أبغض اللغة اليونانية التي كنت أدرسها بغضاً كبيراً ؟
إنني إلي الآن لا أعلم سبباً دقيقاً لهذا . و مع ذلك فقد أحببت اللغة اللاتينية و لكن ما أحببته منها لم يكن ذلك الذي تعلمته علي يد أساتذتي بالمدرسة من قراءة و كتابة و حساب فهذه الدروس كنت أعتبرها كأي يوناني حملاً ثقيلاً و غرماً كبيراً و إنما الذي أحببته هو ما تعلمته فيما بعد علي يد علماء النحو .

و مع ذلك فإن هذا الحب لم يكن إلا من الخطيئة و غرور هذه الحياة و اعتقادي في نفسي إنني لست إلا إنساناً يفني و يزول بلا عودة و لو لم أكن كذلك لفضلت الدروس الأولي بلا ريب لأنها كانت عملية أكثر من الثانية إذ بها أدركت وضبت ما أقرأ و بها كنت أكتب ما أريد .
  أما الدروس الأخرى فقد كنت مجبراً علي مطالعة طياشة إينياس متغافلاً عن طيشي و أنوح علي ديدو المائتة لأنها قتلت نفسها من أجل الحب حتى جف الدمع في مقلتي ،
و عشت أنوء بتعاسة نفسي زمنـــــــاً طــويلاً أشرفت فيه علي الموت ،
غارقاً وسط هذه الأوهـــــــام البعيدة كل البعد عنــك يا إله حيــــــــاتي .

-20-
أي تعاسة أكثر من تعاسة الإنسان الذي يبكي علي موت ديدو لمحبتها إينياس
و لا يرثـــي بـل :  
                   و لا يبكي علي هـــــلاك نفســـه ،
                   لافتقــاره إلـــي محبتــك يا إلهــي .
                   أنت ضــــــــياء قلبــــــــــــــــــــــي .      
                   أنت خـــــــــبز نفســــي الروحــي .
أنت القــــــــــوة التي تعطـــــي القـــــــوة  لعقـــلي .
أنت الذي أحييت مـوات آمــالي ،فكيـــــف لا أحبــك ،
لقد ارتكــــبت الفســق ،
و كذلك جميع من حولي كانوا يفسقون ضد إرادتك ،
و هم يقولون لي ( حسـناً تفعل ! حســناً تفعل !)
غير علمين أن محبة هذا العالـــم هي عــداوة لك .

   لقد كانت عبارة ( حسناً تفعل ! حسناً تفعل ! ) تدوي في أذني دائماً حتى أصبحت لا أخجل من نفسي أنا الذي بكيت علي ديدو المقتولة و كنت طول الوقت أبحث لنفسي عن نهاية كنهايتها ( طالباً بالسيف طعنة و جرحاً قاتلاً ) نابذاً إياك أنا التراب و الذي سوف يعود إلي التراب ... لقد كنت أحزن إذا مُنعت من قراءة هذه الأوهام كلها .
لقد كنت أحزن إذا مُنعت من قراءة ما يحزنني معتبراً هذه الأوهام علماً أعلا و أسمي من العلم الذي تعلمت به كيف أقرأ و كيف أكتب .

-21-
و لكن الآن ناد يا إلهي في أعماق نفسي ،
و دع حقـــــــك يخــــــبرني قائـــــــــــــلاً :
( لا تفعـــــــل هـــذا ! لا تفعـــــل هـــذا )

لأن تلك الدراسات التي تعلمتها أولاً هي أفضل بمثير من الدراسات الأخرى حتى أنني الآن كم أود أن أنسي طياشة إينياس و كل العلوم الباقية التي تعلمتها علي أن لا أنسي القراءة
و الكتابة التي تعلمتها أولاً .

و لكن علاوة علي دخول مدرسة العلوم كان يوجد هناك برقع
( كان البرقع لباساً يدل علي الشرف و كان يلبس في أماكن العبادة ،
و بعد ذلك أستعمل في المحاكم ثم في قصور القياصرة و في بعض المنازل الخاصة ).

مرفوع يحجبني عنك :
و لم يكن هذا البرقــع هو الفـاصـــــل الوحيــد بيني و بينـك ،
بل كان يوجد هنــــــــــاك فاصــــل آخر يفصــــلني عنــــــك :
- هو جهلـــي بك - الذي قد أعتـــــــذر به عن ضــــــلالي …


لا تدع أولئك الذين لا أخافهم أن يقفوا ضد رغبات نفسي ،
عندما أعترف لك يا إلهي مذعناً للقصاص الذي أستحقه
لسيري في طريق الشر لعلي أحب طرفك المستقيمة .

لا تدع الأساتذة و التلاميذ اللذين ليس لهم بضاعة سوي أن يتاجروا في علم النحو
و الصرف أن يصيحوا في وجهي إذا قلت لهم إن القراءة و الكتابة أفضل من كل علومكم لأنني إذا سألتهم عما إذا كان إينياس قد ذهب حقاً في وقت ما إلي قرطاجنة كما يقول الشاعر فإنهم دائماً يختلفون فيما بينهم و يجيب أصغر علمائهم بأنهم لا يعرفون ،
و يجيب أكبرهم  انه لم يذهب مع أنني لو سألتهم عن الأحرف التي يُكتب بها الاسم إينياس بالنسبة إلي الروم التي اصطلح عليها البشر لما اختلفوا فيما بينهم و لأجابني كل من درس هذه الرسوم الإجابة بالضبط .

لا بل إذا سألت عن أيهما يمكن أن يتغافل عن دراسته بدون ضرر يذكر أعي القراءة والكتابة أم تلك الخرافات الشعرية ؟ إنني أدرك مقدماً ما يجيب به العقلاء ...

إذن أخطأت و أنا صبي إذ فضلت الدراسات التي لا قيمة لها علي تلك الدراسات العظيمة الأهمية .        
  لقد كان جمع 1+1=2 ، و2+2=4 لقد كان هذا العمل نشيد أنشاد منبوذ عندي أما قصة
( الحصان الخشبي الذي اختبأ فيه الجنود المسلحون ) و( حريق تروي) و (روح كروزا )     
و ( التشبيه المحزن ) لقد كانت هذه كلها المشهد الثمين الذي أتيه به فخوراً .  

-22-  
لقد أبغضت العلماء اليونانيين الذين حاكوا قصصاً مماثلة لتلك القصص اللاتينية التي كنت شغوفاً بها . لماذا ؟

 بلا شك إن هوميروس قد حاك بمهارة فائقة خرافاته التي كان مزهواً بها جداً ومع ذلك فإن ما كتبه كان مراً لمذاقي الصبياني ... هكذا كان شعوري عندما كنت أُُجبر علي قراءة هوميروس ولا شك أن الأطفال اليونانيين كانوا يشعرون بنفس الشعور عندما كانوا يجبرون علي دراسة فرجيل .

و في الواقع أن الصعوبة كانت صعوبة دراسة لغة أجنبية فإنها و إن امتزجت بكل ما في الخرافة اليونانية من عزوبة فإني كنت أبغضها لأني لم أكن أفهم منها شيئاً لذلك فقد أجبروني إجبارا قوياً و هددوني تهديداً قاسياً و عاقبوني أشد العقاب حتى حملوني علي أن أحفظها ..

لما كنت طفلاً لم أكن أعرف اللاتينية و لكن هذه تعلمتها بدون عذاب و رعب ، لقد تعلمتها بالملاحظة المجردة وقت تقبيل أقاربي لي داخل مخدعي و وقت المزاح مع أحبائي الذين كانوا يبتسمون لي و يشجعونني أثناء اللعب علي أن أتعلمها فتعلمتها بون إجبار و لا عقاب .  

لقد دفعني قلبي علي أن أتعلمها و كل ما قدرت علي أن أتعلمه قد تعلمته عن طريق حفظ الألفاظ التي كان يتكلم بها معي من علموني أن أعبر باللفظ عن كل إشارة أشير بها أمامهم فكان الفضل في تعليمي لهم و لم يكن الفضل لمن علموني بالمدرسة ..

فالرغبــة البحتة في المعرفة هي أقوي أثراً ،
فيمـــن يدرس من ذلك الإكـــراه المخيف ،
و إن كــــان الإكراه لازماً لقمع أوهام الحرية ،
التــــــــي نجدها في نواميــسك يا إلهــي ،
و التــــــي لا يمكن ردعهــا إلا بقصـــــــاص :
كل مـــــن ينحرف عن الناموس أو قصــاص ،
كل مـــــن يدفعنا إلي الانحــــراف عنــــــه ,
فنواميسك و إن بدت ممزوجـــــة بالمــــــر ،
إلا إن فيها الشــــــــــــــفاء لنــــــــــــــــــا .
           لأنهــــا تدعـــونا إليــــــــــــــــك ،
مخلصة إيانا من تلك الشهوات المميتة ،
                التي أغوتنا عن طريقك .

-23-
ويل لك أيتها الشهوة إنك تسودين علي البشر و تجرفينهم في تيارك ،
من يقــــدر أن يقـــف في طريقـــك ؟ إلي متي لا تضعف قوتك ؟
إلي متي تدفعين أبناء حواء في خضم محيطك الواسع المخيف ؟
ذلك المحيط الذي لا يقدر أن يعبره إلا الذي يقدر أن يحتمل البلايا !!
و مع ذلك فهو لا يعبره إلا بالجهد .

    أيتها الشهوة لقد تبينت سلطانك في أسطورة المشترى " إله الرومان الأكبر " !
لقد كان ساخطاً عليك رغم فجوره ، و مع أنه لا يوجد المشترى إلا في عالم الخيال إلا أن مُلفق أسطورته قد وضعها في صورة الرعد المزعج الذي يدفع الناس بخبث إلي السير في طريق الفجور الحقيقي .. إذا قال طالب في مدرستنا لأحد أساتذته الذين يرتدون الجلباب
( إن هذه الأساطير من عمل هوميروس و الدليل علي ذلك إنه كان ينسب للآلهة أموراً بشرية ولم يأت لنا بدليل من عند الآلهة يؤيد زعمه ) .

  إذا قال طالب هذا لأساتذته فإنهم لا يلتفتون إليه و مع ذلك لابد أن يقول أحدهم وهو في ذلك يقول الحق (لاشك إن هذه الأساطير هي خرافات لأنها تنيب أعمال البشر الشريرة إلي الطبيعة الإلهية وبذلك تدفع الناس إلي الفسق فلا يكون الفسق فسقاً لأن من يرتكب الفسق حينئذ يعتقد أنه لا يرتكب شراً و إنما يقتدي بالآلهة العلويين ) .

-24-
 
أيتها الشهوة أنـــــت ســـــــــــــــيل شـــــرير ،
               يطرح البشـر أنفسهم في تيارك ،
               و هم يلقــون بأنفســهم فيــــك ،
               بحجـة أنهم يتعلمــــون علمـــــاً ،
               و هذا العلم لا يتحصلون عليــــه إلا بـأفدح الأثمان !!

حتى إذا وصلوا إلي أعلي درجاته نالوا شرفاً لا يناله بقية الطلبة فتقام لهم الاحتفالات الفخمة في الساحة العامة بروما و يكرمونهم لأنهم تعلموا القوانين، و الحقيقة أنهم لم يتعلموا القوانين إلا ضمن ما تعلموه عنك .

ويل لك أيتهـــــا الشــــــهوة :
أنت تلطمــــين صخـــــــورك  و تزمجرين لكي تضمني النجاح أخيراً !!                     
أنت تدسين السم في آرائك و تضعـــــين في قلــــــوب البشــــــــر ،
أن يتعلموا هذه الأساطير لكي يحفظوا ألفاظاً يتعلمون بها البلاغة و لكن هل يلزم الإنسان لكي يكون بليغاً أن يعرف هذه الألفاظ  : غيث ذهبي - حضن - مخدع - هياكل علوية .
و غيرها من الألفاظ التي تشابهها ...
هل لابد لكي نتعلم البلاغة أن نعرف أن ترنس قد أستحضر شاباً فاسقاً علي مكان عال .
هل لابد لكي نتعلم البلاغة أن نعرف بأن الإله المشترى قد أغوي شاباً مثل ما عمل ترنس ؟
...ما الفائدة من حفظ مثل هذه الأشعار :   
هــــــــا أنــــا أنـــــظر تمثـــــــالاً مكتوبـــــاً عليـــــــه الأســــــــــطورة
لقد نزل المشترى في غيث ذهبي لقد نزل إلي حضن دانا ليغويها .

    لاحظ يا من تقرأ اعترافاتي كيف أن كاتب الأسطورة يتعمد أن يلذذ نفسه يذكر تلك الألفاظ القبيحة ناسباً ما فيها إلي القدرة العلوية التي يخاطبها بعد هذا قائلاً  : -
من هو الله ؟... هو المشترى الكبير ! ..هو يدبر بصوته الهياكل العلوية السمائية !
فلماذا لا أعمل مثله أنا الإنسان المسكين المائت ؟ .. سأعمل !! و بكل قلبي سأعمل !.
 
*     * *
لقد تعلمنا من هذه الأســــاطير ألفاظـــاً كثـــيرة ،
و من هذه الألفــــــاظ تعلمنــــــــــا القبـــــــــائح ،
و مع ذلك فقد حفظنا هذه الألفاظ بصعوبة كبيرة ،
حتى إذا حفظناها ارتكبنا القبائح بدون أي خجل .

لست أذم الألفاظ التي تعلم القباحة في حد ذاتها مهما اُختيرت بعناية
إلا أنني أقول أن مثل هذه الألفاظ هي أوعية الإثــم و خمــــر الخطيــة .  

لقد شربنا تلك الخمرة من أساتذة ثملين ،
و عندما كنا نرفض الشرب كانوا يضربوننا دون أن نجد قاضياً منصفاً نستغيث به .
 
أعترف في حضرتك الآن يا إلهي - بدون ألم -
أنني من ســــوء حظـــــي أننــي تعــــلمت باختيـــــاري ،
و بعــــزم كبـير هــــــذه الألفـــــاظ و هــــــذه القبـــــائح ،
حتى إذا برعت فيها قالوا عني ( إنه صبي يُرجى منه ) .
-25-
احتملني يا إلهي :
عندما أتكلم قليلاً عن ذكائي الذي هــــــو عطيتـــك!
هذا الذكـــاء الذي أضعتـــــــــه في الغـــرام الدنــس ،
لقد تسلطت علي فكرة جعلتني أهتم بالذم و المدح . و عندما كنت أتلو كلمات جينو
" و هو إله وثني " كنت أخاف أن أقع في الشرك التي وقع فيها كما ورد في أسطورته : -هــــذا الأمـــــير تــــروجـــان قـــد عـــــاد مـــن لتـــــيوم

إن الألفاظ التي نسبت إلي جينو في تلك الأسطورة ، لم يقلها مطلقاً و مع ذلك كنا مجبرين علي أن نضل في خطوات تلك الخرافات الشعرية ، و أن نقول نثراً كثيراً مما نطق به شعراً . لقد كان كلامه عذباً للغاية ، لقد تجلت فيه آلام الغضب و الحزن بدرجة فائقة جداً و كانت عباراته متسربلة بألفاظ مناسبة جداً للمحافظة علي شرف الأخلاق .

و لكن ماذا استفدته أنا مــن هــذه الأســــــــطورة
             يا إلهــــي يا حيــــاتي المســــتقيمة ؟
        ماذا استفدت من كون مقالاتي التي كتبتها
في ذلك الوقت كانت أفضل من مقـــالات الكثيرين
ممــن هــــم في ســــني و مـــنزلتي ؟ ؟ ... أليس كل هذا بخار و هواء ؟ ؟
.. ألم يكن هناك علم آخر أتعلمه لأختبر به ذكــــــــــــــــــــــــائي و لساني ؟

أليســـــــت تســــابيحك المدعمــــــــة بكتبك المقدسة يـــــــــــــا رب ،
هي الضربة السريعة النهائية ،التـــــــي أنفتح لهـــــــــــا قلبــــــــــــي ،
فسار في طريق الهداية بعد أن كــــــان غنيمة دنســــة لطيـــــــــــــور الســماء ،
وسط هذه العلوم التافهة التي يقدم بها البشر أنفســهم ذبائح للملائكة الماردين.

-26-
    لقد أضلتني بعد ذلك أباطيل العالم و خرجت من كنفك يا إلهي و لم يكن ذلك الأمر عجيباً ، لأنني لم أري أمامي نماذج أقتدي بها إلا أولئك الناس ، الذين كانوا يحدثونني عن أعمالهم - التي و إن تكن غير شريرة في حد ذاتها إلا أنه كان من الخطأ أن يتحدثوا بها أمامي - لأنها تكشف أمام عيني أموراً ما كان يجب أن أعرفها !!

  فلما قوبل عملهم هذا باللوم و التقريع خجلوا من عملهم و أخذوا يتحدثون عن أنفسهم حديثاً طويلاً منمقاً للغاية قابله الناس بالثناء و المديح انتفخت له أوداجهم …
أما أنت يا رب فقد كنت تبصر كل هذا صامتاً -
ــ لأنك طويل الأناة و صادق كثير الرحمــة -
و لكــن هـل تســــــــكت إلي الأبـــــــــــــد؟
لقد أخرجت من هــــذا الطــــريق المخيــف ،
تلك النفس التي كانت تبحـــــــث عنــــك !!
تلك النفس العطشى إلي ينابيعك العذبة !!
لقد نادتــــك من أعمــــاق القـــلب قائلة  :
" لك  أطـــلب و لوجهــك يا رب ألتمــــس " .

* * *
إن الميـــــــول المظلمـــــــة ليســـت بخـــافية عليــــك ، و لا هــي بعيــدة عنـك .
فالبشـــــــــــــــــــــــــــــــــر إنما يبتعــــــدون عنــــــــــك و يعودون إليك بإرادتهـم ،
                                لا بأقدامهــــــــــــــــــــــــــم و لا بتغــــيير المكـــــان .
فالابن الأصغر لم يبتعد عنك لأنه نظر المركبات و الخيــول أو المراكب فسارع إليها ،
كمــــا أنـــــه لم يبتعد عنك ســــــــائراً علــي قدميــــه إلي كـــــوره بعيـــــــــدة ،
                                لينفــــق بإســــراف كل ما أعطيتـــه له عند سـفره .
وإنما ابتعد عنك عندمــــــــا :
                              انصرف إلي شـهواته و جرى وراء ميولـه المظلمة .
فهنا يكــون البعد الحقيقي عنك ،
و مـــع ذلك عنـــــــــــــدما أعطيته ما أعطيته له عند سفره كنت له أباً محباً ،
            و عندمـــــــــــا عـــــاد إليــــــــــك فارغــــــــــــاً كنت له أكثر حباً .

-27-
تطلـــــع أيها الرب مــن عليـــــــائك .
تطلــــــع بطول أناة كما هي عادتك !
تطلــــــع إلي بنــــــــــي البــــــشر ،
كيف أنهم يحفظون بعناية زائــدة القواعـــد المتفـق عليهـا للحــروف  ،
و مقاطــع الكلمات التـــي تســــــــــلموها ممـــــن ســـــــــبقوهم  ،
متغافلين عن ذلك الميثاق الأزلي للخلاص الأبدي الذي سلمتنا إياه !

لذلك نري أساتذة اللغة و طلاب القوانين الوضعية للنطق يغضبون الناس و يثورون عليهم إذا أخطأوا في القراءة و خالفوا قواعد النحو ، فإذا قال إنسان بدلا من عبارة (وجود الإنسان) عبارة ( وجود الإنسان ) فإنهم يبغضونه مع أنهم في أنفسهم يتمنون عدم ،
( وجود الإنسان ) الأمر الذي يكرهه أنت يا الله .

  و هذه البغضاء التي تثور في نفوس أولئك لا تقتصر علي مجرد البغض ، بل تتعداه إلي حد محاولة إيذاء من يبغضونه  علماً بأن حقدهم و بغضائهم يسيئان إليهم أكثر مما يسيئان إلي العدو الذي يضطهدونه .

إن معرفة النطق ليست مسألة غريزية في الإنسان بعكس شهادة الضمير . و مع ذلك فإنه إذا وقف عالم بشري لا وازع لـــه من ضمير أمام قاض مشتكياً خصمه بحضور جمع من الناس ، فإنه يعمل علي إجادة النطق بالألفاظ محاذراً أن يخطئ في قواعد النحو فينطق عبارة ( وجود الإنسان ) جيداً في الوقت الذي ينساق فيه في غضبه فلا يحذر أن يقضي علي
( وجود الإنسان ) بعمله علي القضاء علي خصمه ،
لأنك أنـــــت يا إلهي فد أنسيته الحكمة .
حقـــــــــــــاً يا لعمـق حكمتـم يا اللــــه !
ما أعظمـــك لأنك أنت العظيـم وحـــدك !
إنـــك فــي ســــموك تجلــــس صـــامتاً ،
و تقضــــــــي - بشــرع غير محـــــــلل -
بالجهل علي كل من انحرف عن طريقك ،
و انساق وراء رغباته الشريرة.
-28-
هكذا كان حال العالم الذي من بابه دخلت أنا التعيس في دور صباي .
هذا هو الميدان الذي خشيت فيه أن أرتكب خطأ في قواعد اللغة مع إني ارتكبت شراً أعظم لأني كنت أحسد الذين لا يخطئون فيها ..

  إنني أتكلم عن هذه الأشياء معترفاً أمامك يا إلهي بأنني كنت أعتبر كل ما يمدحني الناس لأجله ، و كل ما يسرهم ، إنما هو الصالح دون أن أعرف في أية هاوية ترديت ، حتى صرت مكروهاً أمام عينيك …

  أما قبل ذلك فقد كنت أكثر غباوة حتى إنني كنت أكدر نفسي بأكاذيب لا حصر لها .
 و كنت أخدع مهذبي و والدي و أساتذتي بطرق متنوعة لألهو كما أريد .

أما المناظر الباطلة فقد كنت شغوفاً بمحاكاتها مهما كلفني ذلك من ثمن ،
حتى إنني لم أكن أتردد في سرقة مؤونة والدي و مائدتهما ، و أعطي ما أسرقه للأطفال حتى يبيعوني لعبهم مع أن حبهم فيها لم يكن أقل من حبي لها ، كل هذا بدافع طمعي
و أنانيتي ...

   لقد كنت ألهو و ألعب و حتى في لعبي لم أكن أقنع نما هو حق ، بل استولت علي رغبة الزعامة الباطلة . فكنت أقسو علي الآخرين و أعيرهم إذا أخطأوا مع أني كنت لا أتحمل منهم المثل إذا أخطأت ، فعندما كان يوبخني أي إنسان علي خطأ ، كنت لا أذعن للحق و أختار أن أخاصمه علي أن أستسلم لتوبيخه ......هل هذه هي براءة الصبا ؟ إنها ليست كذلك .

اســتغيث برحمتــــك يا إلهـــــي مـــــن هـــذه الأثـــام ،  
التي نمت بذرتها في نفســـــي عندما صرت أكبر سناً .

 لقد كانت هذه آثامي مع مهذبي و أساتذتي فصارت مع الحكام و الملوك .  
لقد كانت هذه الآثام تظهر عند النزاع علي عصفور أو بندقة أو كرة ،
و عندما كبرت صارت تظهر في النزاع علي الذهب والأراضي و العبيد .

 و هكذا تغيرت أيضاً عقوبة آثامي فحل محل الضرب بالعصا التي يعاقب بها الصبي عقوبات أخرى أكثر  صرامة . لقد كانت آثام صباي تدعي وقتئذ بساطة الطفولة التي تكني عن المسكنة التي مدحتها يا ملكنا عندما قلت " إن لمثل هؤلاء ملكوت السموات " .

-29-
و مع ذلــــك أيهـــا الــــــــــــــــرب خالق المســــكونة و قاضيها ،
أنــــــــــــت أيهـــا الفـــائق جــــداً و الصـــــــالح جـــــداً هــــو  ،
الـذي يليـق بــــك الشـــــــــــــكر يا إلهنــــــــــــــــــــــــــــــــا ،
لأنـــــــــــك منحت هـــــذا الامتيــــــــاز للأولاد فقــــــــــــــــط ،
لأننــــــــي و أنا منهـــم قد عشـــــــت و سقطت في الخطية ،
و رغم ذلك فإنني قد تحصلت علي تلك الذخـــــيرة الثــــــابتة ،

 لذلك تعلمت أن أبتهج بالحق وكرهت أن أضل لقد كانت لي رغم صغر سني تلك الذاكرة القوية التي وهبتها لي والتي تجلت في الخطابة ، وإذ كنت أحب الناس وأحب أن أكون لطيفاً معهم فقد تجنبت الأذى والخسة والجهل ما أعجب هذا وما أغربه !!

إذ كنــــــت متحــــــــــداً بــك اتحــاداً ســــــرياً ،
و لقد أدركت ســـــــــــــر ذلك الاتحــــــــــــــــاد ،
             بإحســـــــــاسي الداخــــــــــــــلي ،
و أنا أفكـــر في تـــــلك الأمــــــــــور الدقيقــــــة ،
التي كانت تتتابع أمامي فأشعر بها و أفكـر فيها .


و لكن هذه كلها مواهبك لي يا إلهــــي التي لم أمنحها لنفسي .
هــي مواهـــــب صــــــالحة و هي معاً معــــــي هي أنا نفسي .

صالح إذن الذي خلقــــني و هــــو صـــلاحي ،
و أمامـــه أتهلل بكل شئ حسن كان عندي ،
و أنا صبـــــي . لقـــــد كانــــت خطيتـــــــي ،
و ليســـــــت خطيتــــــــي أنا وحــــــــــــدي ،
ـ بل خطــايا كل مخلوق أخــر ـ لقــد كـــانت خطيتـــــي :
إنني سعيت في الحصول علي الملذات و المجد الباطل ،
مـــــع إنــــــــي كنــــــت أطـــــــــلب الحـــــــــــــــــــق ،
و هكذا سقطت بنزق في الأحزان و الاضطرابات و الزلات .

الشكر واجب لك يا إلهي يا فرحـــي و فخري و رجـائي .
الشكر واجب لك علي عطــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاياك ،
فهــــــــــــــــــل ستديمها لي ما دمـت ستحافظ علي ؟
إن هذه الأشياء التي أعطيتني إياها ستزداد و تكمـــل ،
و أنـا نفســـي  ســـــــــــــــأكون معـــــــــــــــــــــــــك ،
ما دمت أنـــت  قد وهبتني أيضـــاً هذه المـــــواهب !! .   

Share this article :
 
designed by: isaac