مدونـة رئيــس الملائكــة روفائيـــل



بسم الآب والابن والروح القدس اله واحد امين : مدونة رئيس الملائكة روفائيل ترحب بكم : افرحوا فى الرب كل حين واقول ايضا افرحوا
Home » » في محبة الذات الصحيحة ـ الفصل ( 17 ) من الكتاب الثاني ـ خواطر فيلسوف القديس اوغسطينوس

في محبة الذات الصحيحة ـ الفصل ( 17 ) من الكتاب الثاني ـ خواطر فيلسوف القديس اوغسطينوس


الفصل السابع عشر
في محبة الذات الصحيحة
لا يســـعك أن تحب نفســك حبـــاً خلاصيـــــاً ،
إلا إن كنت تحـــــــــــب الله أكـثر من نفسـك .
وكيــــــف يحب الإنسان الله أكثر من نفسه ؟


اســـــــــمع الكلام الذي كان يقبله الشهداء ويتلقفونه بشـــــوق ،
ويستسلمون إليه بكل نياط قلوبهم فيصبــح جزءاً من كيـــانهم :
( مــــــــــن أراد أن يتبعني فليكفر بنفسه ، أجل ، فليكفر بنفسه
ويحمـــــــــــــــل صليبــه ويتبعـــــــــــني )
                                " متى24:16 ".

وكيف يكفر بنفسه من يحبهـــا ؟ أنه لسؤال معقــــــــول ؛
ولكن ، بنــظر النـــــــــــــــاس ؛ يقول الإنسان للإنسان :
كيـــف يكفر بنفسه منه يحبها ؟
أمّا الله فيقول للإنسان :
" كل من يكفرُ بنفسه يحبها
ومن يحــب نفسه يهلكهـــــا
ومن يكفر بنفسه يجدهـــــا "         
                 ( يو 25:13 ) .

لقد أمَرَ من عرف كيف يأمر ،
ويرشد ويثقّــــف ويجـــــدّد ،
ذاك الذي تنـــازل وخلـــــق .

من المؤسف :
أن يخســـر الإنســـان ما يحــــــب ؛
بيد أن الــــزارع يخسر ما يــــزرع ،
فيخرج الحب و يبذره ويتخلّى عنه ،
ويُطمر في التراب .

ولمَ تتعجب ؟
المبذَّر المحتقر يصبح حصاداً بخيلاً .
وينقضي الشــــتاء ويقبــــل الصيف ،
ويكون لك من الــــــــزارع رايــــــة ،
          و من الحصـــــاد غبطتُـــه .

فمن أحـــبَّ نفسها فليهلكهــــــــا ؛
وإن سألت نفسك ثمرة فأزرعها .

ذاك ما تعنيــه عبـــارة ( أكفر بنفسك ) ،
كي لا تخسرها أن أحببتها حباً مضـاداً .

أطلب في الحب ما هو حق ،
وأحـــــــــذر ممَّا هو شر ؛
فإنك إن أحببت الإثم :
      تخلَّيــــت عن الله ،
وإن  تخلَّيــــت عن الله حبـــــــــــــــاً بنفسـك ،
     تخلَّيــــت عن الله ، وما ثبَّت في نفســك ،
    وخرجــتَ مـــــــن نفســـــــــك ،
     بعيداً جداً عــــــن قلبـــــــــــك ،
    باحتقارك ما هـــو باطنــــــــي ،
    وتعلّقــك ما هــــو خارجــــــي .

أين أنت أيها المحب لنفسه ؟  في الخارج .

هل أنت المال الذي تحب ؟
أنت تخلَّيت عن اللــه حباً بنفسك ؛
لقد تخلَّيت عن نفسك حباً بالمال .
تخلَّيـــــت عن نفسـك ثم هلكــت .

هــــات مـــــــيزان الحــــــق  و دع ميزان الشهوة ؛
وضعْ نفسك في إحدى كفتيه و في الأخـــرى المال .

وها أنــــــت تزن بأصابع الغــــش ،
التي للشهوة لكي ترجح كفّة المال .

توقف ولا تزن :
أنــــت تريد أن تغـــش نفسك ،
وأنـــا أري ما تفعـــــــــــــــل .

توقَّف وأترك الميزان لله :
أنـــه لا يغــــــــــــــــــش ،
     ولا يُغــــــــــــــــش .

هوذا الله يزن :
أصغ إليه محذراً قائلاً :
" ماذا يفيدك لو ربحت العالم كله ؟ "
                        ( متى  26:16 ) .

أنه الصوت الإلــــــــــــــــــــــهي ،
    صوت القاضي الذي لا يغش ،
    صوت من ينبّــــه ويحـــــذّر .

كنتَ تضع المال في كفّـــــــة ؛ والنفـــــس في كفّـة أخــــــرى ؛
فأنــــــظر أين وضعت المال ؟ وبمــــــــــا يجــــيب الــــوزان ؟

لقــــــــد وضـــــــــعت الله . وماذا ينفعك لو ربحت العالم كله ،
                                                   و خسرت نفســـــك ؟

 أردت أن تزن نفسك بالمال فزنها مع العالم :
وأردت أن تهلك كسباً للأرض
بيــــد أن نفسك تزن أكثر من السماء والأرض .

أنت تتصرف بهذا الشكل :
لأنك حين تتخلّي عن الله حبــــاً بنفسـك ،
     تخرج من نفســــــك وتزداد اعتباراً لما هو خارجي .

عـــــــــــدْ إلي نفسك وتطلــــع من جديـــد إلي فــوق ؛
حين تعود إلي نفسك فلا تمكث في نفسك .

عـــدْ أولاً إلي نفسك مما هو خارج عنها ،
            ثم  ســـلمَ نفسك إلي خالقــــك ،
           الذي بحث عنك ضائعــــــــــــاً ،
            و  وجـدك ضـــــــــــــــــــــالاً ،
           و  ردّك    إليه كافـــــــــراً به .

إذن عدْ إلي نفسك وكمّل سيرك إلي خالقك .

اقتد بذاك الابن الأصغر الشاطر ـ  وقد تكـــــــــون مثــــــــــــــــله ـ
الــــــــذي انغمس في اللـــــذة وافتقر في الملاهي وبذّر مواهبه ؛
ولمَّــــــــا أصــــــــبح فقـــــيراً راح يرعـــــى الخنـــــازير ؛
وإذا تـــألم من هـــذه الحـــــالة تذكرّ أصله فقال في نفسه :
" رجع إلى نفسه و قال :
كم من أجير لأبي يفضل عنه الخــبز
و أنا اهــــــــــلك جـــــــــــــــــــوع
أقوم و اذهــب إلى أبي و أقـــول له :
يا أبي أخطأت إلى السماء و قدامك .
و لست مستحقا بعد ان ادعى لك ابنا
اجعلني كأحد أجراك "
                          (  لوقا 17:15 ) .

ثم عاد إلي نفسه :
وإن كان قد عاد إلي نفسه فلأنه خرج منهـــــــــــا ؛
                               ولأنه خرج من نفســـــــه بزلة منه ،
فقد عاد إلي نفسه أولاً  ليعود إلي من قد ابتعد عنه بزلّة منه.

وبما أنـــــــــه حـــــين ســــــقط بزلّــــــــــــــــة منه ،
بقي مصـــراً عـــــلى فكــــــرة له شــــــــــــــــريرة ،
هكـــــــــــــذا حـــــين عــــــاد من جديـــد إليّ نفسه ،
وجب عليه ألا يبقي فيّ نفسه كيلا يسقط من جديد ؛
حين عــــاد إلي نفسه قـــــــال كيلا يبــقي في نفسه :
             ( أقوم وأذهب إلي أبي ) أبتعد عن نفسه
                                           فأبتعد عن أبيه ؛
وسـقط إلي مــا هـــــو خارجــــــي فخـرج من نفسه .
وعـــاد إلي نفســــــه
وجــاء إلي أبيــــــــه
فوجد لديه الطمأنينة .

إن كـــــــــــــــــان قد ابتعــــــــــــــــــــد عن أبيه ،
                          بخــــــــــــــروجه من نفسه ،
فبعودته إلي نفسه قد كفر بنفسه ليذهب إلي أبيه .

كفر بنفسه حين قال :
                          خطئت في الســـــــماء  و قدامـــــــــــك ،
                          ولذلك فأنا لستُ أهلاً لأن أدعي لك ابناً...

ذاك ما عمله القديسون :
لقد كفروا بالخيـــور الخارجية ،
           والمغريات العالميـــة ،
          والأضــــــــــــــــــــاليل  و المخـــــــــاوف .
          وبكل ما يروقهـــــــــــم و يخيفهــــــــــــم ؛
لقد كفروا بهـــــــــــذه كلهـــــــا  و داســــــــــــوها ،
                                       وأتوا إلي نفوسهم
                                       وتأملوها فعرفوها
                                       ولم يرضـــوا بها :
أسرعوا إلي الخالق فتجـــددوا فيـــه بالحيــــــــاة ؛
                                     وفيه ثبتوا ليهلك في نفوسهم ،
                                     ما قد باشــــــروا به ،
                     وينمو الخير الذي زرعـــــــه في نفوسهم .

ذاك هو الكفر بالذات
وتلك هي محبة الذات بحسب البر .

وعليه فأكفر بنفسك ولا تحي بهـــــــــــــــــــــــــا ؛
                         ولا تعمل مشـــــــــــــــــيئتك ،
                         بل أعمل مشيئة الساكن فيك .

Share this article :

أرشيف المدونة الإلكترونية

 
designed by: isaac